الثلاثاء، 17 أبريل 2018

التفسير


معنى التفسير لغة واصطلاحًا:
* التفسير في اللغة : هو الإيضاح والتبيين ، ومنه قوله تعالى: ( وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا )
وهو مأخوذ من الفسر أي: الإبانة والكشف ، قال في القاموس: الفسر: الإبانة وكشف المغطى كالتفسير ، والفعل كضرب ونصر .
والتفسير في الاصطلاح عرفه الزركشي بأنه: علم يعرف به فهم كتاب الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحكمه . واستمداد ذلك من علم اللغة والنحو التصريف وعلم البيان وأصول الفقه والقراءات ، ويحتاج لمعرفة أسباب النزول والناسخ والمنسوخ
معنى التأويل لغة:
التأويل في اللغة مأخوذ من الأول وهو الرجوع ، قال في القاموس: آل إليه أولاً ومآلاً رجع وعنه ارتد وأول الكلام تأويلاً ، وتأوله دبره وقدره وفسَّره .

* قال الراغب الأصفهاني : التأويل من الأول أي الرجوع إلى الأصل ، ومنه الموئل للموضع الذي يرجع إليه ، وذلك هو رد الشيء إلى الغاية المرادة منه علمًا كان أو فعلاً ، ففي العلم نحو قوله تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ . [الأعراف: 53] .

التأويل في الاصطلاح والفرق بينه وبين التفسير :

والتأويل في الاصطلاح مختلف فيه ، فيرى بعض العلماء أن التأويل بمعنى التفسير ، وعلى هذا جرى الطبري في تفسيره فتجده يقول: (تأويل قوله تعالى . . . . أو يقول اختلف أهل التأويل) يريد بذلك أهل التفسير ، ويرى بعض العلماء أن التأويل مخالف للتفسير ، فالتأويل يتعلق بحقيقة ما يؤول إليه الكلام علمًا أو عملاً كما سبق في كلام الراغب ، والتفسير يتعلق بالألفاظ وبمفرداتها ، وقيل : التفسير القطع بأن مراد الله تعالى كذا ، والتأويل ترجيح أحد المحتملات بدون قطع . . . وقيل التفسير ما يتعلق بالرواية ، والتأويل ما يتعلق بالدراية ولذا اختلف السلف في الوقف على قوله تعالى:  هُوَ الَّذِي أَنْـزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا  فمن قال: إن التأويل بمعنى التفسير وقف على قوله:  وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ . أي أن الراسخين في العلم يعلمون تأويل المتشابه ببيان معناه لغة وشرح ألفاظه ، ومن قال: إن التأويل بمعنى حقيقة ما يؤول إليه
الكلام وقف على قوله (إلا الله) بمعنى أنه لا يعرف حقيقة ما يؤول إليه المتشابه إلا الله تعالى
لتأويل في اصطلاح علماء الكلام :
هو صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل . وهذا الاصطلاح استخدمه علماء الكلام في صرف آيات الصفات عن ظاهرها ومعانيها الراجحة إلى معان مرجوحة كما قالوا في قوله تعالى: { وجاء ربك والملك صفا صفا } . [ الفجر: 22 ] . المراد به جاء أمر ربك لأنهم لو أثبتوا المعنى الظاهر وهو المجيء لترتب على هذا خلو المكان والحدوث والله منزه عن ذلك ، فصرفوا الكلام عن معناه الراجح إلى معناه المرجوح لتنزيه الله تعالى وهذا الدليل غير مسَّلم لهم عند أهل السنة والجماعة ، فهم يثبتون المجيء على ظاهره من غير تكييف ولا تمثيل على حد قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ . وهو الصواب ؛ لأن الذين تأولوا آيات الصفات خشية من الوقوع في التشبيه قد وقعوا فيما فروا منه ، لأنهم تصوروا أن الله كالمخلوق يلزم من مجيئه الخلو والحدوث ، فشبهوا الله به ثم تأولوا صفات الله فوقعوا في التعطيل ، فلو أنهم تصوروا أن الله بخلاف المخلوق في ذاته للزم على هذا أنه مخالف له في صفاته ، فوجب إثبات الصفات له على ما يليق بجلاله .
والراجح أن التفسير يتعلق بشرح ألفاظ القرآن وبيان معانيها من جهة اللغة ، والتأويل يتعلق باستنباط الحكم والأحكام من الآيات وترجيح أحد المحتملات ، هذا إذا أردنا التفريق بين التفسير والتأويل ، وإلا فيصح إطلاق أحدهما على الآخر فبينهما عموم وخصوص من وجه كالإيمان والإسلام ، فإذا اجتمعا افترقا ، وإذا افترقا اجتمعا ، فإذا استعملنا كلمة التفسير مفردة فتعم التأويل ، وكذلك إذا استعملنا كلمة التأويل مفردة فتعم التفسير ، وإذا جمعنا بين الكلمتين فقلنا التفسير والتأويل فينصرف التفسير
إلى شرح ألفاظ القرآن وبيان معيناه ، وينصرف التأويل إلى استنباط الحكم والأحكام وترجيح المحتملات كما سبق بيانه . والله أعلم ..
اهتمام الصحابة والتابعين بالتفسير :
اهتم الصحابة رضوان الله عليهم بحفظ القرآن ، وتدبر معانيه وفهم مراد الله ، والعمل بما جاء فيه ، فكان من اهتمامهم بالقرآن أنهم إذا حفظوا مجموعة من الآيات لا يتجاوزونها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل ، قال أبو عبد الرحمن السلمي : (حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن كعثمان بن عفان وابن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا حفظوا من الرسول صلى الله عليه وسلم عشر آيات لا يتجاوزونها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل ، قال فحفظنا القرآن والعلم والعمل جميعًا) .

وروي عن ابن عمر أنه أقام على حفظ سورة البقرة ثماني سنين ، وهذا دليل على تدبره لها وفهمه لمعانيها وتطبيق ذلك .

وروي عن أنس بن مالك أنه قال: (كان الرجل منا إذا حفظ البقرة وآل عمران جل في أعيننا) أي عظم قدره .

وكذلك كان التابعون يحرصون على حفظ القرآن وتدبر معانيه ، فهذا مجاهد يقول : عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث مرات أوقفه عند كل آية وأسأله عنها .

* وقال الشعبي : رحل مسروق إلى البصرة في تفسير آية فقيل له إن الذي يفسرها رحل إلى الشام فتجهز ورحل إليه حتى علم تفسيرها .

فتفسير القرآن من أشرف العلوم وأفضلها ، لأن العلم يشرف بشرف المعلوم ، وعلم التفسير يتعلق بكلام الله

وهو خير الكلام ، قال تعالى:  يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا

فالحكمة فهم القرآن وتفسيره كما قال المفسرون . وقال الرسول صلى الله عليه وسلم  
خيركم من تعلم القرآن وعلمه .

المفسرون من الصحابة والتابعين :

وقد اشتهر بالتفسير من الصحابة- رضي الله عنهم- الخلفاء الأربعة ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وأُبي بن كعب ، وأبو موسى الأشعري ، وزيد بن ثابت ، وعبد الله بن الزبير ، وأكثر من روي عنه من الخلفاء علي بن أبي طالب لأن الخلافة لم تشغله أول الأمر ، ولبقائه مدة طويلة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وكلما طال الزمان بالناس احتاجوا إلى التفسير نظرًا لما يجد عندهم من قضايا لم تكن موجودة ، ولاختلاطهم بالأعاجم ، وبعدهم عن عهد العروبة الأول ، لذا يشكل عليهم القرآن كثيرًا فيحتاجون إلى التفسير لذا تجد ما رُوي عن ابن عباس أكثر مما رُوي عن علي - رضي الله عنهما- بخلاف الثلاثة السابقين فقد اشتغلوا بالخلافة أولاً ، وكانت مدة بقائهم ، بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قصيرة ، خصوصًا أبا بكر الصديق - رضي الله عنهم- فإنه لم يلبث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا سنتين وأشهرًا لذا لم يرو عنه في التفسير إلا نزر يسير أما علي - رضي الله عنه- فقد رُوي عنه كثير ، وكان يقول: (سلوني فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم ، وسلوني عن كتاب الله ، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل) .

وكان يقول: (والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيم أنزلت ، وأين أنزلت ، إن ربي وهب لي قلبًا عقولاً ولسانًا سؤولاً . ) وكذا روى عن ابن مسعود كثير ، وكان يقول: (والذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت ، وأين نزلت ، ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته) فما رُوي عنهم من قسم علي العلم بكتاب الله أية آية دليل على مدى اهتمامهم بهذا الكتاب العظيم ، وتدبرهم له آية آية ، وتتبعهم لنزوله ، وفهم مقاصده ومراميه والعمل به .

لذا نجد ابن عباس - رضي الله عنه- لما فاته الأخذ عن الرسول صلى الله عليه وسلم لصغر سنه حيث توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث عشرة سنة تقريبًا ، نجده يلازم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجد في الطلب ، ويتحمل في ذلك المشاق والمتاعب ، فقد رُوي عنه أنه كان يجلس في القائلة عند باب أحدهم والرياح تؤذيه والشمس تشتد عليه ، ومع هذا يتحمل في سبيل تعلم كتاب الله ، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فبجهوده التي بذلها في طلب العلم ، وبركة دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال:  اللهم فقهه في الدين ، وعلمه التأويل  فتح الله عليه في فهم القرآن ، وتدبره فكان حكمًا في تفسيره وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا
واشتهر من التابعين مجاهد وقد قيل: (إذا جاءك التفسير من مجاهد فحسبك) وممن اشتهر من التابعين أيضًا سعيد بن جبير ، وعكرمة- مولى ابن عباس - وقتادة ، والضحاك ،وعطاء بن أبي رباح ، وزيد بن أسلم وغيرهم كثير .
تاريخ تدوين التفسير :
مر تدوين تفسير القرآن بالمراحل الآتية:
* المرحلة الأولى :
أن التفسير كان يعتمد على الرواية والنقل فالصحابة يروون عن الرسول صلى الله عليه وسلم ويروي بعضهم عن بعض .
* المرحلة الثانية:
أن التفسير دون ضمن كتب الحديث ، فالمحدثون الذين تخصصوا في رواية أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وجمعها كالبخاري ومسلم وأصحاب السنن أفردوا بابًا للتفسير في كتبهم جمعوا فيه ما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو الصحابة أو التابعين في تفسير القرآن ، فتجد ضمن صحيح البخاري ومسلم باب التفسير وكذلك كتب السنن . 

* المرحلة الثالثة:
أن التفسير دُوِّن مستقلاً في كتب خاصة به جمعه فيها مؤلفوها ما رُوي عن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين مرتبًا حسب ترتيب المصحف ، فيذكرون أولاً ما روي في تفسير سورة الفاتحة ثم البقرة ثم آل عمران ، وهكذا إلى آخر سورة الناس .
تم ذلك على أيدي طائفة من العلماء منهم ابن ماجه (ت273هـ) . وابن جرير الطبري (ت 310هـ) . وأبو بكر بن المنذر النيسابوري (ت318هـ) وابن أبي حاتم (ت327هـ) . وأبو الشيخ بن أبي حبان (ت369هـ) . والحاكم (ت405هـ) وأبو بكر بن مردويه (ت410هـ) وغيرهم من أئمة هذا الشأن ، وكل هذه التفاسير مروية بالإسناد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى الصحابة والتابعين وتابع التابعين ، وليس فيها شيء من غير التفسير المأثور ، اللهم إلا ابن جرير الطبري ؛ فإنه ذكر الأقوال ثم وجهها ورجح بعضها على بعض ، وزاد على ذلك الإعراب إن دعت إليه حاجة ، واستنبط الأحكام التي تؤخذ من الآيات القرآنية .
* المرحلة الرابعة:
في هذه المرحلة دُوِّن التفسير مجردًا عن الإسناد ، واختلط الصحيح بالضعيف ، ودخلت الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير ، والذين جاءوا بعد ذلك نقلوا هذه الأقوال على أنها صحيحة .
تلون التفسير بثقافة المفسرين :
ثم كثر التأليف في التفسير بالرأي والاجتهاد فخرجت تفاسير تلونت بلون ثقافة مؤلفيها ، فالعالم بالنحو حشا تفسيره بقواعد النحو وخلافياته كما فعل أبو حيان في تفسيره (البحر المحيط) ، وصاحب العلوم العقلية والفلسفية حشا تفسيره بأقوال الفلاسفة ونظرياتهم وفندها ورد عليها كما فعل الفخر الرازي في تفسيره (مفاتيح الغيب) ، وصاحب الفقه حشا تفسيره بذكر مسائل الفقه وفروعه وأدلة المذاهب كما فعل القرطبي في تفسيره ( الجامع لأحكام القرآن ) ، وصاحب القصص والأساطير حشا تفسيره بذكر قصص الأنبياء مع قومهم واستطرد في ذلك كما فعلالثعلبي في تفسيره ( الكشف والبيان عن تفسير القرآن ) ، وهكذا تلون التفسير بعلم من ألف فيه .

مجلة البحوث الإسلامية العدد السابع - الإصدار : من رجب إلى شوال لسنة 1403هـ

مواضيع ذات صلة

التفسير
4/ 5
Oleh

إشترك بنشرة المواضيع

.اشترك وكن أول من يعرف بمستجدات المواضيع المطروحة